Lettre de Biram depuis la prison civile de NOUAKCHOTT (en arabe)
موريتاني: رسالة من بيرام الداه اعبيد
من عَمَى السيد، إلى بصيرة المسود
قصة تلاعب الغاوي
ملخص: بين عساكر بلدي وبيني خيبة أمل
سحيقة نكاد، معًا، لا نتجاوزها. ومن
إفلاس علاقتنا المضنية ينشأ تدفق من نكدِ
وجرعات الضغينة التي يصعب قياسها. إن
تمردهم غير المجدي ضد الزمن يسعدني ويجلب
شفقتي إذ أنهم حراس قلعة محكوم عليها
بالخراب، رغم ذلك يعاندون في الاعتقاد
بأنها منيعة. بينما أتكفل، سافرا عن
وجهي، بأن أحفر قبرا لهذا المبنى الشنيع
المحافظ عليه والمروي بدم أسلافي. كل يوم
أقتلع لبنة من المبنى فأهدم بذلك جزءا من
الجدار، الأجدى من ذلك، أنني، من الآن
فصاعدا، لم أعد الوحيد.
في البدء:
مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا
موريتانيا: المنظمة الحقوقية لمكافحة
ديمومة الرق والعنصرية) محظورة منذ
إنشائها سنة 2008. رئيسها، المتمثل في
شخصي، وعدة كوادر من قادتها، بمن فيهم،
من بين آخرين، كمبا دالا كن، وبلا توري،
وعثمان لو، طردوا من وظائفهم المرتبطة
بالدولة واضطهدوا في نشاطاتهم الحرة
التي تضمن لهم الخبز. وفور إعلانه، سنة
2013، حظرت وزارة الداخلية، بجرة قلم،
الجناح السياسي لحركة تحرر السود ذي
الصلة بالعدول ضمن المواطنين من النسيج
العربي-البربري.
في سنة 2014، ترشحت للرئاسيات فيما كان
يعيقني عدم الاستعداد ونقص في الوسائل.
وبالرغم من التزوير الذي بلغ الزبية،
وعرقلة الصناديق بشكل فج، والعبث البالغ
بالنتائج، تحصلت على المرتبة الثانية
إزاء مرشح القبائل، والطغمة العسكرية،
والظلامية الدينية، وأوساط المال
والأعمال، والميولات العرقية، والتاريخ
الآفل: محمد ولد عبد العزيز.
كانت حملته، الممولة بما يربو على 5
مليارات من الأوقية، تضمن له الفوز معززا
بالجيش وبأفراد وماكنة إدارة الدولة. بيد
أنني، وأنا المحروم من الامتيازات
المشابهة، ربحت أمل وحماس الشباب
المنحدر من منطقة جنوب الصحراء الراشح
بؤسا وشقاء مما جعله مصرا على التغيير.
كما أنه ثمة رهط من نخبة البيظان ظل
يحيطني بدعم يزداد من حيث الكيف ويقل من
حيث الأصوات. أما في اجتماعاتي فيتزاحم
ويتدافع الكثير من الحراطين والبولاريين
والسونينكيين والولوف والبمباره.
في هذا الوقت يلجأ منافسي، مذعورا، رغم
أنه الأكثر حظا، إلى مسارات التهديد
منتهكا قواعد توطئة الأكناف وشهامة
الفروسية. لقد أوصل لي رسالة تهديد عن
طريق شخص لا أكشف عن هويته في الوقت
الراهن: « سوف تصحح في الحال خطابك
التحريضي الذي تبنيت خلال الحملة، وإلا
سنقوم بترتيباتنا ونتخذ الإجراءات
مستقبلا ». مهلة الإنذار لم تتضمن تحديدا
دقيقا لوقت تطبيقها. ودون أن أتردد،
أجبته بما يُلزمني الشرف المداس من
اندفاع وعنفوان: « أؤكد وأتحمل مسؤولية
تصريحاتي. من أنت لتملي علي خط خطابي؟ ».
عند تنصيبه، بعد فوز أطعن في نتائجه، مع
غياب اللباقة ومع الذرائع الواهية،
أوْحَى ولد عبد العزيز بأنه مصر على
القضاء على إيرا-موريتانيا. خمسة أيام
قبل توقيفي في مدينة روصو، نوفمبر 2014،
أنذرتني شخصية مقربة من المعني: « إنك
مستهدف. إنك تواجه مخاطر إقامة طويلة
داخل السجن. عندما تبقى طليقا حتى سنة 2019،
سيكون بإمكانك مضاعفة الهالة المحيطة بك
وزيادة قدرتك على التعبئة، فالحذر،
الحذر إذن ». بقية الأحداث لم تفند تلك
التحذيرات.
نسقط، وننهض
عشت للأسف، وعاش معي آخرون ظروف السجن
على مدى 18 شهرا دون أي سبب مقبول في
الديمقراطيات، كما استرجعت حريتي لأسباب
لا تفسير لها بدورها.
بعد إطلاق سراحي سنة 2016، حصدت حشودا
جماهيرية فائقة الحجم، غير عادية.
الصحافة المنصاعة للنظام المعمول به
أضحت قلقة بشأن العدد والاكتظاظ والفرحة
المتقاسمة. ودون فرجة من الوقت، وبعد شهر
واحد من هذا التمجيد، ضربتْ سلسلة من
الاعتقالات أطر المنظمة المحظورة، وأشفع
ذلك بعمليات تعذيب واسعة خلال الحجز
التحكمي المتبوع بأحكام قاسية تم
تخفيفها بفضل ضغوطات دبلوماسية وداخلية.
بينما شجعت ونظمت اليد الطولى للمصالح
الأمنية انسحابات مدوية وانشقاقات كيدية
مثلت مشاهدها لتسبب أكبر قدر من الفظاظات
في صفوفنا ولتبث فينا الشك، وبكلمة واحدة
لتثبط حماسنا.
في يناير 2017، قررتُ قطع إقامة طويلة في
الخارج والإلتحاق بأرض الوطن تحت رقابة
مشددة. حينها تلقت تجمعات الحركة هجمات
عنيفة على يد قوى الأمن، وتطور الاحتقان
مع النظام بشكل لافت. غير أن إيرا ظلت
تكافح فبرزت مع قوى تحالف مجموعة الـ 8 ضد
الاستفتاء، ومن ثم وحيدة إزاء غلاء
الحياة.
الجناح السياسي لإيرا –المتمثل في حزب
الرك- بحث عن شراكة مع حزب مرخص ليتمكن من
المشاركة في الانتخابات البلدية
والنيابية والجهوية.
بعض المقربين، برعايتنا الحذرة، ترددوا
وتظالعوا قبل أن يجثوا كلهم تقريبا،
متحججين بأنهم يخشون ردة فعل محمد ولد
عبد العزيز: أهم منتقدي حراك تحرر السود
الموريتانيين وتعاطيهم مع العدول من
مجتمع البيظان.
فيما تضاءل الأمل في تعاون مثمر، قطع حزب
الصواب خطوة حاسمة والتحق بتحالف
الإئتلاف الداعم لترشحي للانتخابات
الرئاسية المقررة 2019. وفور الإعلان عن
توقيع هذا الاتفاق، يوم 31 مايو 2018، حظر
وزير الداخلية تلك الفعالية، وبعد تشاور
مع قيادة الصواب، رفعت السلطات الإجراء،
لكنها عمدت إلى التهديد خاصة على لسان
الناطق باسم الحكومة الخبير في
التصريحات ذات البصيرة الناقصة والمحتوى
المحابي.
الفخ
في يوم 31 مايو 2018، كان فناء دار الشباب
بانواكشوط مكتظا بجماهير من ضمنها
مراقبون يتملكهم الفضول في حضور تحالف
بين أبناء العبيد والسود ضحايا الإقصاء
والحصانة ضد العقاب من جهة، وقوميين عرب
بميولات بعثية، من جهة أخرى. عند نهاية
الحفل تدافعت الصحافة نحوي. بطبيعة الحال
لا أعرفهم كلهم. أحد الصحفيين اقترب مني
بالإلحاح المعتاد لأصحاب المهنة ومسعاهم
المشروع لتبرئة الذمة من الممارسات
السيئة الهادمة للسمعة، زعم أنه « مستقل »
وقد أوضح أنه يعمل لعدة قنوات عربية،
وأنها طلبت منه برنامجا معي حول الاتفاق
السياسي الذي كنا قد وقعناه للتو.
وبطبيعة الحال أشرت إلى لجنة السلام
بإيرا أن تفسح له الطريق، وضربت له موعدا.
ويشهد العديدون أنه، من ذلك الحين، لم
يبرح منزلي تقريبا. كان موقفه منتقصا من
أقل أخلاقيات المهنة صرامة. ووجدت نفسي
مرغما على تذكيره أنه ليس لديه الحق في أن
يسجل الأحاديث والحوارات خارج المقابلة
المتفق عليها. فوافق شارحا أنه يحتاج،
ليس إلا، إلى صور الأسرة والأصدقاء،
وتعهد بأنه لن يستغل الأصوات المصاحبة
ولا الأحاديث الدائرة. وقد حضر عدة
مقربين وأصدقاء لإيرا تأكيده وضماناته.
بعد أسبوعين من مقام الصحفي في منزلي،
غادرت نواكشوط باتجاه الولايات المتحدة
الأمريكية.
الاندلاع
إبان غيابي، نشر دداه عبد الله، على
وسائط اليوتيب، فيديو يحملني نفس
الاتهامات ومن نفس الوحي الذي تنتجه
مصالح الاستخبارات ضد إيرا: خيوط
الفبركة، حلقات التركيب، حجج الشيطنة،
الحذف، اللصق المغرض المعيد لأساسيات
الإعلام المناهض للتمرد خاصة التدابير
النفسية العكسية الهادفة إلى تعزيز
القطيعة، في الرأي العام، بين الهدف
ومؤيديه. وباختصار، كان علي أن أتقدم في
جو من الاشمئزاز لكي أمنح محاولة المساس
بالمصداقية ضمانات المعقولية
والاستمرار.
لا يمكن لمحمد ولد عبد العزيز، انطلاقا
من المبدأ الدستوري، أن يحكم لمأمورية
ثالثة سنة 2019. المتعصبون له، وهو نفسه،
يحاولون تحطيمي. فما فشلت فيه التلفزة
العمومية عند نشرها لفيديوهات دعائية
خلال توقيفي في روصو، تكفل به دداه عبد
الله وطبقه على أحسن وجه وبنصيب أوفر. صوت
الصويحفي غمرني بالكثير من النعوت دون
مداهنة. بدوتُ، في عمله، بالملامح
البغيضة للمتمالئ الخداع، المختال،
المرتشي، المتاجر بقضيته لأعداء
موريتانيا وأعداء الاسلام، الشرير،
الانتقامي، المتمتع بالكماليات
والتسهيلات. وباختصار، فإنني أجمع
النقيضين: الثوري النيّر والمزربان
الشاتم. ومعلوم أن التقرير يعطي الكلام
لمن دأبوا على الازدراء بي ضمن رفاق
الكفاح الذين حادوا عن الطريق
والسياسيين القابعين في أقصى اليمين
العربي-البربري. أما لقائي مع دداه عبد
الله، الذي ناف على الساعة، فلم يُستغل
في أية لحظة ضمن الوثيقة المنشورة على
اليوتيب والفايسبوك.
وقد اجتاح الجدلُ شبكات التواصل
الاجتماعي، وعلى الرغم من طلباتي
المتكررة، رفض دداه سحب الفيديو
التشهيري المطبوع بتصريحات أدليّ بها في
منزلي خارج السياق. ولنتذكر أن صاحب
الفيديو التزم بعدم نشر هذا الجزء من
الحديث الخاص مع المناضلين.
تحت الدسيسة تمظهراتها
نعم، فبفعل الغضب وانعدام جهة يُلجأ
إليها، طلبت من المناضلين أن يردوا على
شتائم من تنكر لدوره الصحفي لينصّب نفسه
هجّاءً بالرغم من حسن ضيافتنا وقلوبنا
المفتوحة. وذروة استفزازه أنه، بعد بث
عمله الساذج، حل بمنزلنا، إبان غيابي،
يحدوه الأمل في أن يسحله الشباب، لكنه لم
يحصد غير عدم الاكتراث. حينها قرر أن ينشر
افتراءاته في كل مكان بحجة الدفاع عن
حرية الصحافة زاعما مساسنا بها. وقد
منحته القنوات المحلية والإذاعات منبرا
مجانيا موافقة بذلك على شراكة من التواطؤ
الساخط.
إن الغالبية تجهل تفاهة الحساب الملفوف
تحت الضراوة تجاهي والأكاذيب المنسوجة
بعناء: نظام الهيمنة العرقية القبلية
المتشظي لا يتحمل أن يدخل البرلمان بيرام
الداه اعبيد ورفاقه أمثال السيدة آدما سي
أرملة العريف عمر كاديو المقتول في إطار
التطهير العرقي سنة 1991 والذي اتخذت
الجمعية الوطنية، سنتين فيما بعد، قرارا
بتبرئة قتلته. نعم، كيف يمكن أن يقبلوا
انتخاب حبي رباح العبدة المحررة على يد
بيرام الداه اعبيد وأمنة بنت المختار سنة
2008؟.. كيف سيسمحون لها بمجابهة الماسكين
بزمام النكران والتدثر؟..
الكيل بمكيالين
بعد التحريض على العنف والاغتيال، بعض
شرائح المجتمع وبعض مؤيدي النظام
والمقربين منه عمدوا إلى ذلك دون عقاب.
فخلال حرقي للكتب الاسترقاقية، شهر
ابريل 2012، تمنى لي محمد ولد عبد العزيز
ووسطه حكما بالإعدام، فكان يرعى ويشجع
مظاهرات تجوب الشوارع بلافتات ولوحات
تطالب بقتلي. ودعا العلماء والموظفون
السامون والوزراء إلى تصفيتي الجسدية
باسم الشريعة. وقد قام وزير التوجيه
الاسلامي الحالي بنشر رسالة مسموعة على
اليوتيب تتضمن نفس الدعوات. حين ذاك كان
مكلفا بمهمة في ذات الوزارة. وما تزال،
حتى اليوم، صفحات الفايسبوك وأعمدة
الجرائد الألكترونية مليئة بمثل ذلك. إن
الدعوة، المفصلة تارة، لقتلي أو اغتيال
المناضلين الحقوقيين مسألة تافهة في
الجمهورية الاسلامية الموريتانية. وتظل
شكاوي الكثيرين بشأنها دون جواب.
على سبيل المثال، لا الحصر، يتذكر الكل
منبرا لإحدى القنوات الشهيرة أعلن عليه
السلفي المتطرف العنيف يحظيه ولد داهي
أمنيته في القضاء على بيرام الداه اعبيد
وأمنة بنت المختار زعيمة رابطة النساء
معيلات الأسر. فيما منح مقاول، مقرب من
النظام والأوساط الدينية المتطرفة، 10
آلاف يورو لمن يقتل محمد الشيخ ولد
امخيطير: المدون المحتجز حتى اللحظة
بالرغم من انقضاء محكوميته بسنتين من
السجن. ومع ذلك تتبجح موريتانيا، العضو
في مجموعة ال 8 بمنطقة الساحل، بمشاركتها
البهيجة في محاربة الارهاب. أما الشاعر
الدوه ولد بنيوك، المقرب من السلطة،
فيعلن صراحة نيته قتل سفراء الغرب وإهداء
جثامينهم للنمل إذا تمادوا في التضامن مع
محمد الشيخ ولد امخيطير المتهم بالردة.
وحسب الشيخ البرلماني السابق، سيدي ولد
الداهي، في تصريح له على قناة « الوطنية »،
فإن الدكتاتور السابق معاويه قام بعمل
جيد بتنفيذه لمحاولة الإبادة العرقية
التي انتهت، على مدى ثلاث سنوات،
بالتسفير ومصادرة الممتلكات والاغتيال
الجماعي لبعض سود موريتانيا.
وحتى الآن، فإن العدالة لم تتعامل مع هذه
الانزلاقات بالرغم من الاحتجاجات القوية
التي تقدمت بها تيارات نافذة من المجتمع
المدني.
والآن، ما العمل؟
إذا قمنا بمقارنة زمنية، نجد أن دداه ولد
عبد الله يلعب علنا دور الوكيل المستفز
وليس دور الصحفي صاحب الضمير الحي.
فالعبارات التي على أساسها جرمني القاضي
يعود تاريخها إلى الأسبوع الأخير من شهر
يونيو، فلماذا، إذن، لم يتم توقيفي إلا
يوم 7 أغشت، وعلى أعتاب المصادقة على
الترشيحات؟..
نعم، إنهم يهيئون لي محاكمة سياسية
مطابقة لتعاليم الماضي عندما ترفض قوة
مستبدة متهاوية حنق الزمن وتعتقد أن
شبابها أبدي. غير أنه لا شك أني سوف أواجه
ذلك الاستبداد، البالغ من الكبر عتيا،
برباطة جأش وعجرفةِ يقيني التام في قدرة
المظلوم عندما تدق ساعة تحرره.
الداه بيرام اعبيد
السجن المركزي، نواكشوط: